”لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط,
بل أيضا أن تتألموا لأجله.”
لقد كان فخر بولس الرسول عجيبا حقا حينما قال إنه يكمل نقائص شدائد المسيح في جسمه لأجل جسده الذي هو الكنيسة؟؟؟
لقد قلب المسيح الحال من جهة آلام الإنسان و شدائده و أوجاعه, فبعد أن كانت تحسب ثمنا لخطاياه, و نصرة للعدو الذي كان يفتخر بإذلال الإنسان بآعتباره حاملا صورة الله, فكانت نقمته موجهة ضد الله فينا؛ قلب المسيح موازين العدو, فرفع من قدر الإنسان إذ حول آلامه إلى شركة في آلام المسيح, فصارت وسيلة لقبول نعمة المسيح, بدل قبول نقمة الشيطان.
و هكذا أصبحت آلامنا و شدائدنا ليست محسوبة ضدنا, بل محسوبة لنا كنصرة, برغم أنف العدو, فالذي يتألم هو مؤمن بالمسيح آعتبرت آلامه حسب الكتاب موهبة أي عطية عند الله تهيء الإنسان أن يكون شريكا في آلام المسيح, فيحسب بالتالي مستحقا لرضى الله و مكملة لخطة خلاص يسوع المسيح, إذ تكون الشركة في آلام المسيح هي بمثابة شهادة إيمان, و علة لانسكاب نعمة الله.
و هكذا آعتبرت الشركة في آلام المسيح في هذا العالم الشرير نصرة على العدو و وسيلة لقلب موازينه.
فمن يضطهد الشرير و يسكب غضبه عليه, يحسب لهذا الإنسان أنه أكمل الجهاد و حاز على رضا الله و مسرة المسيح.
و على أساس فلسفة الآلام هذه, اعتبر بولس الرسول أن الآلام هي نصيبنا الفاخر و كأننا موضوعون لها, أي أن الآلام أصبحت نصيبنا الفاخر و شهادة ضد العدو تؤهلنا لنكون من مختاري الله المحبوبين. فالقديسون محسوبون أنهم صورة للغلبة على هذا العالم بسبب الآلام التي تكبدوها من بغضت العدو, تماما كما حسب صليب المسيح غلبة ضد العالم و العدو.
لذلك كان من آفتخارنا حق أن نتلقى ضربات العدو كمنتصرين و غالبين, و هذا الأسلوب هو أسلوب الصليب. فصالبوا المسيح كانوا واضعي أكاليل مجد على الجسد و هم لا يدرون.
لذلك أصبح إكليل خلاصنا النازل علينا من فوق لا يستريح على أجساد مرفهة, نالت من العالم أمجادا كاذبة, بل يستريح على أشخاص ذاقوا مرارة الضيق و الآلام و الاضطهاد, حيث تركت ضربات العدو علامات محفورة في أجسادهم.
لذلك أصبح تاريخ تعاذيب المؤمنين بالمسيح على أيدي الجلادين و أنياب الوحوش تاريخ أمجاد مزين على صليب المسيح, و كأنهم حقا قد صلبوا مع المسيح و أصبحوا أصحاب الميراث الذي لا يفنى و لا يتدنس و لا يضمحل محفوظ لهم في السموات, و موضع اندهاش الملائكة و تعجب السمائين جميعا, لأنهم جعلوا في الصفوف الأولى أمام عرش الله و أصبحت ترنيماتهم موضع مسرة الله و الحمل.
لذلك أصبح من غير اللائق, بعد اليوم, أن نتأفف من الآلام أو نتهرب من مضايقة العدو و الناس, لأن نصيب فخرنا في هذا الدهر هي آلامنا التي نتكبدها فرحين إذ نحسب من المختارين الذين جعلوا هدفا للعدو, لأنه إن كان المسيح هو حبيبنا الذي نتألم لأجله, فالشيطان هو عدونا اللدود الذي ينتقم من المسيح الذي فينا.