” مع المسيح صلبت, فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في.
فما أحياه الآن في الجسد, فإنما أحياه في الإيمان, إيمان إبن الله, الذي أحبني و أسلم نفسه لأجلي”
رسالة غلاطية 2 – 20
هنالك مقولة إلهية تقول : “إن كان واحد قد مات لأجل الجميع, فالجميع إذا ماتو“ا.
هذه معجزة الله في المسيح, إذ إستطاع الله بواسطة طاعة إبنه و تجسده و قبوله الموت كخاطئ, و هو الطاهر القدوس؛ أن يجعل موت ابنه موتا لفداء كل من آمن بموته.
هنا يجاهر بولس الرسول على أساس هذه الحقيقة الإلهية أنه صلب مع المسيح, و بالضرورة أنه مات بموت المسيح, وقام بقيامته, أي صار حيا بحياته؛ فأصبحت حياته هي في حياة المسيح
” إن أنا حي فأنتم ستحيون” , أو أن المسيح هو حي فيه.
هذه الحقيقة الإلهية كانت قصد الآب منذ الأزل, حتى تجسد إبن الله و أكمل قصد الأب أن الجميع يقبلون حياة المسيح فيكون المسيح حيا في الجميع, أي بالحري أن يكون الجميع أحياء في الله بعد أن كانوا أمواتا بالذنوب و الخطايا.
هنا أخذ المسيح الجسد الذي لنا بخطاياه و ذنوبه, و أعطانا جسده القائم من الموت و الحي بالله.
فإن كنا أحياء الآن في الجسد, فبنعمة الإيمان نحن أحياء, لا أننا أحياء بأنفسنا بل حياتنا هي حياة المسيح فينا, و ذلك عن حب و بذل لا يمكن أن نتصوره لأنه يفوق حد طبيعتنا.
هنا يظهر كيف خلقنا الله خلقة جديدة على قياس مشيئته العاملة منذ الأزل.
هنا يقول الكتاب: أين الإفتخار؟ فالإفتخار كله بالله و في الله الذي نقلنا من ظلمة الخليقة الأولى إلى نوره في الخليقة الجديدة, و من عذاب الأرض إلى سعادة ملكوت ابن محبته.
فمشيئة الآب منذ الأزل أن يوفر لخليقة الإنسان التي على صورته حياة سعيدة معه, فكانت رحلة الإبن الوحيد من الأحضان الأبوية في أمجاد العلا إلى شقاء الأرض, و مشاركة الإنسان في ذل حياته و موته رحلة الخلود؛ لأننا كسبنا فيها ملك الآب و ورثنا المسيح و حب الآب له, لأن حب الآب للإبن انعكس علينا بالسوية : “ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به, و أكون أنا فيهم” .
فهو رجع لحب الآب للإبن, و مساواة في حب الآب مع المسيح.
أما بذل المسيح نفسه فكان بذل فداء, موتا عوض موت.
و لكن العجيب في هذا البذل أنه وهب للبشرية كلها أفرادا, فكل إنسان لابد أن يعرف و يعترف أن المسيح بذل ذاته من أجله بذلا كاملا مكملا, بحيث لم يبقى للمسيح شيء من البذل لنفسه فهو بذل فداء, فكانت مسرة الآب لا يمكن تصورها لما أكمل ابنه الموت و القيامة من أجلنا, مكملا مشورة الآب الأزلية قبل تأسيس العالم.
و كان هذا سرا منوطا به الكتمان الكامل عن كل جمهور السماء من رؤساء ملائكة و ملائكة و جند السماء, و هم لا زالوا يتطلعون إلى إلى إكتمال يوم الفداء للإنسان حتى يستعلن سر الأزل عند الآب.
كما يقول الكتاب إن الكنيسة ستضطلع بهذه المهمة لما تصعد لنكون في محيط الخليقة السماوية, فتعرف الكائنات السماوية بسر فداء الإبن, من جهة تجسده و موته و قيامته و صعوده, لأنها كلها مخفاة عن معرفة السائليين جميعا.
حينئذ تشارك الخليقة السماوية فرحة الخلاص الذي صار للبشرية, و تشارك في السجود للإبن مع الأربعة و العشرين قسيسا المستعدين للحظة الإستعلان و ظهور الإبن علانية و دخوله إلى ملكه ظافرا و وراءه جيش المخلصين الهاتفين بمجد الله و الحمل.