” لأنه جعل الذي لم يعرف خطية, خطية لأجلنا, لنصير نحن بر الله فيه”
رسالة كورونثوس الثانية 5 : 21
على قدر ما أن هذه الحقيقة مرعبة, فهي بآن واحد معزية و مفرحة و ورثتنا بر المسيح نفسه, فصرنا أمام الله مقبولين و محبوبين.
و هل يعقل أن يصبح الذي لم يعرف خطية, خطية لأجلنا؟
نقول و نكرر أن المسيح لم يصر خاطئا فقط لما حمل خطايانا على الصليب, بل تبنى الخطية نفسها في جسده ليقدر أن يميتها بموته؛
هذا أمر مذهل للعقل؟
إن جوهر الخطية هو الموت, مع أنه ليس للخطية معدن و لا جوهر, بل الخطية هي السلبية المطلقة بمعنى أنها في أصولها الأولى لا وجود لها على الإطلاق و لكن فجرها عدو الخير في نفسه إذ خالف الله, فانحط إلى أسفل السافلين و طرد من أمام وجه الله و أخلى مكانه في السماء, و نزل إلى الأرض لينتقم من خليقة الله بدون وجه حق؛ لأنه أصلا غريب عن طبيعتنا, فنحن على صورة الله المقطوع, و هو يضطهدنا لأننا صورة الله, فهو ينتقم من الله فينا, و سلاحه الوحيد هو الخطية, و عمله الوحيد هو إسقاطنا في الخطية لنصبح عبيدا له لأنه سيد الخطية.
و الخطية في أصلها من أصله, أي هي عداوة لله و مقاومة لمقاصده, و هي تستمد وجودها من الشيطان فهي سلاح عداوة الله يميت بها الإنسان ظلما و جورا و تزيفا.
أما الله فلم يحتمل أن تهان صورته فينا و نتجرع كأس الموت.
فكان هم الله الوحيد من جهتنا أن يعتقنا من سلطان هذا الطاغية و ينقذنا من الموت, و يكسر سلاحه القاتل الوحيد و هو الخطية التي هي شوكة الموت المسمومة.
فكان من غير الممكن إقتلاع هذا الجذر السام و كسر هذه الشوكة المسمومة الغريبة أصلا عن صورة الله بواسطة إنسان أو نبي, فبسبب محبة الله للإنسان هان عليه أن يرسل ابنه المساوي له في المجد, لكي يلبس جسد إنسان و يحمل هذه الخطية المميتة ( و الخطية ليس لها جوهر, فالجوهر يختص بالحق و الحقيقة, وهي ليست حقا و لا حقيقة ),
و يموت فعلا ليجتزها من طبيعة الإنسان, فيرفع عنه نير الشيطان و يطلق الإنسان حرا من قبضة العدو.
فبموت المسيح على الصليب, محكوما عليه من قبل رؤساء الكهنة أنه رجل خاطئ و مجدف, عرَى رؤساء الكهنة من الحق و قبل الخطية و التجديف في جسده, و مات بها, فماتت الخطية و اجتثت من أصولها, إذ ظفر المسيح على الصليب بالشيطان و كل أعوانه و أرداه مورد الهلاك الأبدي.
و هكذا جعل الله إبنه الطاهر القدوس يلبس الخطية لبسا, و يصير في مظهره كأنه خطية, هذا من أجلنا؛ و أما نحن فأخذنا في المقابل بر المسيح لنصير أمام الله كأبرار بعد أن كنا خطاة محكوما علينا بالموت.
هكذا أبيدت الخطية و سلطان الخطية و اسقط الشيطان في غياهب الظلمة محفوظا ليوم الدينونة المريع الذي سينال فيه حكم الإعدام.
أما نحن فبالصليب فزنا بالغفران, و أعتقنا من الموت, و لما قام المسيح من بين الأموات
” أقامنا معه, و أجلسنا معه في السمويات”
بانتظار استعلان مجده لننال شركتنا معه في مجده الأبدي.
فإذن, ” أين شوكتك يا موت؟ و أين غلبتك يا هاوية؟”
أما شوكة الموت فهي الخطية و قد أزالها المسيح بموته؛ و أما غلبة الهاوية فقد أبادها المسيح بقيامته.
فاين أنت, يا إنسان, من الخطية و الهاوية؛ أليس من المحزن و المدهش حقا أن يفضل الإنسان أن يكون عبدا للخطية بعد أن أزالها المسيح, و يعرض نفسه للهاوية بعد أن أبادها المسيح؟